أخبار مهمةالأوقافدروس دينيةعاجلمقالات وأراء

سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الرابع عشر: معية الله تعالى لرسوله ﷺ ، للدكتور خالد بدير

سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الرابع عشر: معية الله تعالى لرسوله ﷺ ، للدكتور خالد بدير

لتحميل سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الرابع عشر: معية الله تعالى لرسوله ﷺ ، للدكتور خالد بدير ، بصيغة word  أضغط هنا.

 

لتحميل سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الرابع عشر: معية الله تعالى لرسوله ﷺ ، للدكتور خالد بدير ، بصيغة  pdf أضغط هنا.

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرسُ الأولُ: الإخلاصُ والتحذيرُ من الرياء ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثاني: التخطيط ودوره في بناء المجتمع ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثالث : الأخذ بالأسباب مع التوكل على الله تعالى ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الرابع : السعي على الرزق والكسب ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الخامس : نشأة التاريخ الهجري ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس السادس : مكانة المسجد وعلاقته بالهجرة ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس السابع : حسن الصحبة ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثامن : حفظ الأمانات ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس التاسع : الهجرة وترك التهاجر والتناحر ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس العاشر : يوم عاشوراء فضائل وأحكام ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الحادي عشر : معاني وأنواع الهجرة في ضوء القرآن والسنة ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثاني عشر : من ترك شيئا لله عوضه الله خيرا منه ، للدكتور خالد بدير

 

وللإطلاع علي سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ الدرس الثالث عشر: الهجرة وحب الأوطان ، للدكتور خالد بدير

ولقراءة سلسلة دروس وعبر من هجرة سيد البشر ﷺ

 

الدرس الرابع عشر: معية الله تعالى لرسوله

 

إنَّ معيةَ اللهِ لهَا أهميةٌ كبيرةٌ في حياةِ الإنسانِ؛ فإنَّ إحساسَ المؤمنِ بحفظِ اللهِ لهُ، ويقينَهُ أنَّ اللهَ معَهُ، يَسمعُهُ إذا شكَا، ويُجيبُهُ إذا دعَا، ويفرجُ كربَهُ إذا حزنَ، ويمدُّهُ إذا ضعُفَ، ويعينُهُ إذا احتاجَ، ويلطفُ بهِ إذا خافَ، كلُّ ذلك مِن أسبابِ ارتياحِ النفسِ وانشراحِ الصدرِ، وطمأنينةِ القلبِ وتيسيرِ الأمرِ، وطيبِ العاقبةِ في العاجلِ والآجلِ.

إنَّ ثقةَ العبدِ بربِّهِ ويقينِهِ بأنّهُ سبحانَهُ المتولِّي لأمورِهِ، تجعلُهُ يضرعُ إليهِ عندَ كلِّ نازلةٍ، داعيًا موقنًا بالإِجابةِ، لا يتَّجهُ إلى غيرِهِ، ولا يُنزلُ حاجتَهُ بسواه: { أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ } [النمل: ٦٢]، فيتذكَّر ربَّهُ في كلِّ أحوالِهِ ذاكرًا وشاكرًا على السرَّاءِ، وصابرًا ضارعًا منتظرًا للفرجِ عندَ الضرَّاءِ، غيرَ أنَّ هذا الأمرَ يختصُّ بهِ المؤمنُ دونَ غيرِهِ، فَعَنْ صُهَيْبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :” عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ! إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ!! إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ!! وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ! “(مسلم) .

إنَّ معيةَ اللهِ تنقسمُ إلى قسمينِ‏:‏ عامةٌ، وخاصةٌ‏.‏ والخاصةُ تنقسمُ إلى قسمينِ‏:‏ مقيدةٌ بشخصٍ، ومقيدةٌ بوصفٍ‏.‏

فالعامةُ هي: التي تقتضِي الإحاطةَ بجميعِ الخلقِ مِن مؤمنٍ وكافرٍ، وبَرٍّ وفاجرٍ، في العلمِ والقدرةِ والتدبيرِ والسلطانِ وغيرِ ذلك، ودليلُهَا قولُهُ تعالى‏:‏  { وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ } [الحديد: 4]، وقولُهُ: { مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا } [المجادلة: 7] .

أمَّا المعيةُ الخاصةُ فهي تنقسمُ إلى قسمينِ: المقيدةُ بوصفِ، فتكونُ لِمَن يحملُ هذا الوصفَ مِن البشرِ، ومِن ذلك: الإحسانُ والتقوي، كما في قولِهِ تعالى‏:‏ ‏{‏إنَّ اللهَ مع الذينَ اتقوا والذينَ هم محسنون‏}‏ ‏[‏النحل‏:‏ 128‏]‏‏.‏ ومنها: الإيمانُ كما في قولِهِ تعالى: { وأَنَّ اللَّهَ مَعَ المؤمنِينَ } [الأنفال: 19]. ومنها: الصبرُ كما في قولِهِ تعالى: {إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ } ( البقرة: 153). فكلُّ مَن اتصفَ بالإيمانِ أو الإحسانِ أو التقوىَ أو الصبرِ فإنَّ اللهَ معهُم ينصرُهُم، ويحفظُهُم، ويؤيدُهُم، ويوفقُهُم، ومعيةُ اللهِ أثمنُ شيءٍ على الإطلاقِ، أنْ يكونَ اللهُ معكَ، كنْ مع اللهِ ترَى اللهَ معكَ.

وهذه المعيةُ توجبُ لِمَن آمنَ بهَا كمالَ الثباتِ والقوةِ؛ والمراقبةِ للهِ عزَّ وجلَّ.

وأمَّا الخاصةُ المقيدةُ بشخصٍ معينٍ، فهي التي تقتضِي النصرَ والتأييدَ لِمَن أضيفتْ لهُ، وهي مختصةٌ بمَن يستحقُّ ذلك مِن الرسلِ وأتباعِهِم، كقولِهِ تعالى على لسانِ نبيِّهِ ‏لأبِي بكرٍ رضي اللهُ عنه: { إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: 40]، وقال لموسَى وهارون ‏:{ إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: 46]،  وقال في موسَى وقومِهِ: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ؛ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} ( الشعراء: 61 ؛ 62 )، وهذه أخصُّ مِن المقيدةِ بوصفٍ‏.‏

وهنا مقارنةٌ لهَا أهميتُهَا ودلالتُهَا الإيمانيةُ بينَ معيةِ اللهِ للنبيِّ مُحمدٍ وصاحبِهِ، وبينَ معيةِ اللهِ لموسَى عليهِ السلامُ وقومِهِ. كما جاءتْ في القرآنِ الكريمِ.

قال اللهُ في حقِّ سيدِنَا مُحمدٍ وصاحبِهِ: { إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } [التوبة: 40] ؛ وقال في حقِّ سيدِنَا موسَى عليهِ السلامُ وقومِهِ: {فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ؛ قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} ( الشعراء: 61 ؛ 62 ) . فاللهُ قالَ في حقِّ أبى بكرٍ {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا } بالجمعِ، وقال على لسانِ موسَى عليه السلام لَمَّا قال له قومُهُ: البحرُ أمامَنَا والعدوُّ خلفَنَا ؟! { قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} بالإفرادِ مع أنَّ معهُ بنِي إسرائيل، فاللهُ أفردَ في حالةِ الجمعِ وجمعَ في حالةِ الإفرادِ ليدلَّ على أنَّ إيمانَ أبِي بكرٍ يعدلُ أمةً، وهذه منقبةٌ ظاهرةٌ لهُ رضي اللهُ عنه، وأنَّ بنِي إسرائيلَ ليسَ لهُم عهدٌ ، وموسَى عليهِ السلام لا يضمنُ إلَّا نفسَهُ، ولا يضمنُ إيمانَهُم وعهودَهُم، فلو أنَّهُم وجدُوا مخرجًا أو سبيلًا للهروبِ لسلكُوهُ واعتذرُوا لموسَى وتركوهُ يغرقُ وحدَهُ، كما قالُوا: { اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُون} ( المائدة: 24)، أمَّا أصحابُ النبيِّ مُحمدٍ فكمَا قالَ المقدادُ بنُ عمرو: يا رسولَ اللهِ امضِ لِمَا أراكَ اللهُ، فنحنُ معكَ، واللهِ لا نقولُ لكَ كما قالَ بنو إسرائيلَ لموسَى: اذهبْ أنتَ وربُّكَ فقاتِلَا إنَّا ها هنَا قاعدون، ولكن اذهبْ أنتَ وربُّكَ فقاتِلَا إنَّا معكُمَا مقاتلون، فو الذى بعثَكَ بالحقِّ لو سرتَ بنَا إلى بركِ الغمادِ لجالدنَا معكَ مِن دونهِ حتى تبلغَهُ.

فكلّمَا بلغَ الإنسانُ درجةً عليَا مِن الإيمانِ والإحسانِ والطاعةِ، كلّمَا ظفرَ بمعيةِ اللهِ تعالى ونصرِهِ وتأييدِهِ.

فالمعيةُ درجاتٌ‏:‏ عامةٌ مطلقةٌ، وخاصةٌ مقيدةٌ بوصفٍ، وخاصةٌ مقيدةٌ بشخصٍ‏.‏ فأخصُّ أنواعِ المعيةِ ما قُيّدَ بشخصٍ، ثم ما قُيّدَ بوصفٍ، ثم ما كان عامًّا‏. فالمعيةُ العامةُ تستلزمُ الإحاطةَ بالخلقِ علمًا وقدرةً وسمعًا وبصرًا وسلطانًا وغيرَ ذلكَ مِن معانِي ربوبيتِهِ، والمعيةُ الخاصةُ بنوعيهَا تستلزمُ مع ذلك النصرَ والتأييدَ‏، فلاحظ الفرقَ بينَ المعيةِ العامةِ وبينَ المعيةِ الخاصةِ، المعيةُ العامةُ: معيةُ علمٍ، أمَّا المعيةُ الخاصةُ: معيةُ إكرامٍ، معيةُ اللهِ العامةُ مع الناسِ كلِّهِم، أنَّهُ يعلمُ سرَّهُم وجهرَهُم، معيةُ اللهِ الخاصةُ -للمؤمنين-: أنَّهُ يحفظُهُم، وينصرُهُم، ويؤيدُهُم، ويسعدُهُم.

ونحن في ذكرى هجرة الرسول هناك صورٍ ونماذجَ لمعيةِ اللهِ لرسوله :-

الصورة الأولى: خروج النبي من بينهم سالما بعد اجتماع قريش على قتله:

فقد اجتمعت قريش على قتله ، وأمر عليا أن ينام مكانه ، ثم خرج رسول الله واخترق صفوفهم وأخذ حفنة من تراب فجعل يذره على رؤوسهم وقد أخذ الله على أبصارهم عنه فلا يرونه وهو تلو هذه الآيات: {يس وَالْقُرْآَنِ الْحَكِيمِ } إلى قوله: { وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ} ( يس: 1- 9 )  ولم يبق منهم رجل إلا وضع على رأسه تراباً.

ومضى إلى بيت أبي بكر فخرجا من خوخة في دار أبي بكر ليلاً حتى لحقا بغار ثور في اتجاه اليمن، فأتاهم آت لم يكن معهم فقال: ما تنتظرون ههنا؟ قالوا: محمداً فقال: خبتم وخسرتم والله قد خرج عليكم محمد ثم ما ترك منكم رجلاً إلا وقد وضع على رأسه تراباً، وانطلق لحاجته فما ترون ما بكم قالوا: والله ما أبصرناه فوضع كل رجل منهم يده على رأسه فإذا عليه تراب؛ ثم جعلوا يتطلعون فيرون علياً على الفرش مسجى ببرد رسول فيقولون: والله إن هذا لمحمد نائم عليه بُرده، فلم يبرحوا كذلك حتى أصبحوا وقام علي عن الفراش فقالوا: والله لقد صدقنا الذي كان قد حدثنا. فسقط في أيديهم وقالوا: أين صاحبك؟ قال: لا أدري، فأنزل الله سبحانه:{وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ ….} الآية ( الأنفال: 30 ).

إنها معية الله لرسوله أن يمر من بينهم فلا يرونه ويضع على رؤوسهم التراب؛ ولا يبصرونه.

الصورة الثانية: معية الله للرسول وصاحبه في الغار:

فلما أجمع رسول الله الخروج أتى أبا بكر فخرجا من خوخة أبي بكر في ظهر بيته ومضيا إلى جبل ثور، ولما انتهيا إلى الغار قال أبوبكر: والله لا تدخله حتى أدخله قبلك فإن كان فيه شيء أصابني دونك، وتبعهما قريش، فلما بلغوا الجبل اختلط عليهم فصعدوا الجبل فمروا بالغار فرأوا على بابه نسج العنكبوت فقالوا: لو دخل ها هنا لم يكن نسج العنكبوت على بابه. فانظر كيف أعمى الله أبصارهم عن رؤيتهما؟! بل لم يدر في خلدهم وجود أحد في الغار !! وقد روي عَنْ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِلنَّبِيِّ : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ نَظَرَ تَحْتَ قَدَمِهِ، لَأَبْصَرَنَا مِنْ تَحْتِ قَدَمِهِ، فقَالَ النَّبِيُّ : “مَا ظنك باثنين الله ثالثهما”. {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:40]. (صحيح ابن حبان).

الصورة الثالثة: حادثة سراقة بن مالك بن جعشم:

حيث رصدت قريش جائزة مائة ناقة لمن يأت برأس محمد حيا أو ميتا ، فقام سراقة بن مالك فَرَكِبَ فَرَسَهُ، وَتَبِعَهُمْ، لِيَرُدَّهُمْ بِزَعْمِهِ. فَلَمَّا رَآهُ رَسُولُ اللَّهِ دَعَا عَلَيْهِ، فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، ثُمَّ اسْتَقَلَّ، فَأَتْبَعَ يَدَيْهِ دُخَانٌ. فَعَلِمَ أَنَّهَا آيَةٌ، فَنَادَاهُمْ: قِفُوا عَلَيَّ وَأَنْتُمْ آمِنُونَ. فَوَقَفَ رَسُولُ اللَّهِ حَتَّى لَحِقَ بِهِمْ. ثُمَّ هَمَّ بِهِ فَسَاخَتْ يَدَا فَرَسِهِ فِي الأَرْضِ، فَقَالَ لَهُ: ادْعُ اللَّهَ لِي فَلَنْ تَرَى مِنِّي مَا تَكْرَهُ. فَدَعَا لَهُ، فَاسْتَقَلَّتْ فَرَسُهُ، وَرَغِبَ إِلَى رَسُول اللَّه أَنْ يَكْتُبَ لَهُ كِتَابًا، فَأَمَرَ أَبَا بَكْرٍ، فَكَتَبَ لَهُ ، ووعد سراقَة حِينَئِذٍ أَن يلْبسهُ الله تَاج كسْرَى وسواريه، فَعجب من ذَلِك، فأنجز الله وعده على يَد عمر رَضِي الله عَنهُ، فألبسه حلَّة كسْرَى وَتوجه بتاجه وسواره ، ثمَّ قَالَ: الْحَمد لله الَّذِي ألبس تَاج عَدو الله لسراقة.

إن معجزة سياخ قدم فرس سراقة في التراب؛ وتحويل سراقة من محارب إلى ناصر؛ وفتح بلاد فارس؛ ولبس سراقة سواري كسرى لأمر عظيم ومعجزة واضحة، وبيان معية الله وحفظه لنبيه ﷺ.

وهناك صورٌ كثيرةٌ لمعيةِ اللهِ لنبيه في طريق الهجرة لا يتسعُ المقامُ لذكرِهَا ويكفِي القلادةُ ما أحاطَ بالعنقِ !!

إن كثيرًا منَّا بل كلُّنَا يتمنَّى أنْ يكونَ في معيةِ اللهِ، ولكنْ ما السبيلُ إلى ذلك ؟ وكيف ننالُ هذه المنزلةَ ؟!! أقولُ: هناكَ وسائلُ وأسبابٌ لابُدَّ أنْ تسعَى وتجدَ مِن أجلِ كسبِ معيةِ اللهِ، ومِن هذه الوسائل:

الإيمانُ باللهِ والمداومةُ على الصلاةِ والزكاةِ: وهذه هي المعيةُ الخاصةُ التي نطمحُ إليها جميعًا، وتتمثلُ في قولِهِ تعالى: {وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآَتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآَمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } [ المائدة: 12] هذا ثمنُهَا: أنْ تقيمَ الصلاةَ، وأنْ تؤتيَ الزكاةَ، وأنْ تستقيمَ على أمرِهِ، إنْ دفعتَ الثمنَ نلتَ المعيةَ الخاصةَ، والبابُ مفتوحٌ للجميعِ.

ومنها: غرسُ مراقبةِ اللهِ في نفوسِ الجميعِ: فيجبُ أنْ نغرسَ في نفوسِ أبنائِنَا وبناتِنَا وجميعِ أفرادِ مجتمعِنَا خُلقَ مراقبةِ اللهِ وأنَّ اللهَ معنَا في حركتِنَا وسكونِنَا، قال سهلُ بنُ عبدِ اللهِ التسترِي: كنتُ وأنا ابنُ ثلاثِ سنينَ أقومُ بالليلِ فأنظرُ إلى صلاةِ خالِي مُحمدٍ بنِ سواء فقال لي يومًا: ألَا تذكرُ اللهَ الذي خلقَكَ فقلتُ: كيفَ أذكرُهُ؟ قال: قُلْ بقلبِكَ عندَ تقلبِكَ في ثيابِكَ ثلاثَ مراتٍ مِن غيرِ أنْ تحركَ بهِ لسانَكَ، اللهُ معِي الله ناظرٌ إليَّ اللهُ شاهدِي، فقلتُ ذلك ليالِي ثم أعلمتُهُ فقال: قُلْ في كلِّ ليلةٍ سبعَ مراتٍ، فقلتُ ذلك ثم أعلمتُهُ فقال: قُلْ ذلك كلَّ ليلةٍ إحدَى عشرَ مرةً، فقلتُهُ فوقعَ في قلبِي حلاوتُهُ، فلَمَّا كان بعدَ سنةٍ قالَ لي خالي: احفظْ ما علمتُكَ ودُمْ عليهِ إلى أنْ تدخلَ القبرَ فإنَّهُ ينفعُكَ في الدنيا والآخرةِ، فلم أزل على ذلكَ سنينَ فوجدتُ لذلك حلاوةً في سرِّي، ثم قال لي خالي يوماً: يا سهلُ مَن كان اللهُ معهُ وناظراً إليهِ وشاهدهٌ أيعصيه؟! “( إحياء علوم الدين).

ومنها: اختيارُ الصحبةِ الصالحةِ: فعليكَ أنْ تصحبَ الصالحينَ؛ لأنَّهُم يقربونَكَ مِن اللهِ، وتكونَ مع اللهِ فيكونَ معك، وإيَّاكَ وصحبةَ السوءِ فتكونَ مع شياطينِ الإنسِ والجنِّ، قالَ تعالى : { وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلًا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولًا }. ( الفرقان : 27 – 29 ).

ومنها: الإحسانُ إلى النّاسِ: فكمَا قُلنَا إنَّ اللهَ مع المحسنين، فالإحسانُ إلى الناسِ طريقُ السعادةِ للمُحسِنِ والمحسَنِ إليهِ على السواءِ، فقد سُئِلَ أحدُهُم: مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ ؟! قال: مَنْ أَسْعَدَ النَّاسَ، فإنْ كُنتَ تبحثُ عن الراحةِ والسكونِ والطمأنينةِ، فأوصيكَ أنْ تمسحَ رأسَ اليتيمِ، وتُـقبـِّـلَ رأسَ ذلك العجوزِ الفـقـيرِ، فمَن أحسنَ إلى الخلقِ بالقولِ والعملِ وأنواعِ المعروفِ فإنَّ اللهَ يدفعُ بهِ الهمومَ والغمومَ عن العبدِ، وإنَّ اللهَ لمعَ المحسنين.

ومنها: حضورُ مجالسِ الذكرِ: فإنَّ ذلك مِن أكبرِ الأسبابِ لانشراحِ الصدرِ وطمأنينةِ ‏القلبِ، وزوالِ الهمِّ والغمِّ، قال تعالى: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ }. [سورة الرعد: 28].‏ فعاهدْ اللهَ مِن الآن على أنْ لا تغفل عن ذكرِهِ، وستجد نتائجَ سريعةً ومبهرةً، فهيَّا اهتفْ باسمِه المقدسِ، هل تعلمُ لهُ سميًّا.

اللهُ أكبرُ كلُّ همٍّ ينجلِي …………….. عن قلبِ كلِّ مكبِّرٍ ومهللِ

فإذا كنتَ مع اللهِ كان اللهُ معك، وإذا ذكرتَ اللهَ ذكرَكَ في الملأِ الأعلَى، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ : يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ” أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي وَأَنَا مَعَهُ حِينَ يَذْكُرُنِي؛ فإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي؛ وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ هُمْ خَيْرٌ مِنْهُمْ وَإِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً” (متفق عليه). قال ثابتٌ البناني رحمه اللهُ: إنِّي أعلمُ متى يذكرُنِي ربِّي عزَّ وجلَّ .. ففزعُوا منهُ وقالُوا: كيف تعلمُ ذلك؟ فقال: إذا ذكرتُهُ ذكرنِي أمَا قرأتُم قولَهُ تعالَى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}. (البقرة : 152) .

فعلينا أنْ نسيرَ إلى معية الله، شعارنا (فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ)، نفر منه إليه، نفر من الدنيا إلى الآخرة، نفر من الشهوات إلى الطاعات، نفر من الكسل إلى الجد والعمل؛ نفر من الفتن والنقم إلى مَن وحده بيديه أن ينجينا منها، نطمع في معيته ، فينعم علينا بنصره وتأييده ورعايته وصيانته لنا ، الله ينادينا ليل نهار هلموا إليَّ ، تقربوا إليَّ بالطاعات أتقرب إليكم بالإحسان ، كن مع الله يكن الله معك ويهيء لك سبل الخير والهدى.

نسال الله أن يشملنا بحفظه وتأييده ورعايته ومعيته .

كتبه : خادم الدعوة الإسلامية

د / خالد بدير بدوي

_____________________________________

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة

 

تابعنا علي الفيس بوك

 

الخطبة المسموعة علي اليوتيوب

 

للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات

 

للإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة

 

للمزيد عن أخبار الأوقاف

 

للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف

 

للمزيد عن مسابقات الأوقاف

 

اظهر المزيد

كتب: د.أحمد رمضان

الدكتور أحمد رمضان حاصل علي الماجستير من جامعة الأزهر بتقدير ممتاز سنة 2005م ، وحاصل علي الدكتوراه بتقدير مع مرتبة الشرف الأولي من جامعة الأزهر الشريف سنة 2017م. مؤسس جريدة صوت الدعاة ورئيس التحرير وكاتب الأخبار والمقالات المهمة بالجريدة، ويعمل بالجريدة منذ 2013 إلي اليوم. حاصل علي دورة التميز الصحفي، وقام بتدريب عدد من الصحفيين بالجريدة. للتواصل مع رئيس التحرير على الإيميل التالي: [email protected] رئيس التحريـر: د. أحمد رمضان (Editor-in-Chief: Dr. Ahmed Ramadan) للمزيد عن الدكتور أحمد رمضان رئيس التحرير أضغط في القائمة علي رئيس التحرير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى
Translate »